ماذا سنرتدي؟
لم يمر أسبوعين على موعدنا الغراميّ الأول أقترحتِ أن نذهب سويًّا لمعرض كوساما. وهذا كان بعد يومين من فتح المعرض في متحف تل أبيب وصفحات الانستغرام لكل مشاهير الشبكة وحاملي بطاقات نقابة الصحافيين امتلأ بالاف النقاط الملوّنة. في موقع المتحف بيعت جميع بطاقات العرض حتى لبعد كانون أول، لكن منشور واحد يائس على حائط الفيسبوك الخاص بك قام بعمله وقمت توفير بطاقتين للشهر القادم. في خطوة مليئة بالثقة في بداية العلاقة، قمت بشراء البطاقات وبدأت بالتخطيط ماذا سنرتدي.
معرض يايوي كوساما – الفنانّة التشكيليّة الأكثر نجاحًا في العالم في الوقت الحالي، هي ليست فقط حدث فنّي مثير الذي يمكّن المشاهد الإسرائيلي إلقاء نظرة على الأعمال الاصليّة لفنّانة عالميّة. معرض كوساما هو في الواقع ظاهرة ثقافية مثيرة، بل حتى شديدة الاثارة – ظاهرة التي تجذب إلى برج العاج الملهم جمهور متنوّع من الناس في أجيال، أنواع ومكانات مختلفة. انتقادات مختلفة نشرت في كل الصحف التي تحترم نفسها تشمل عدّة صحافة محليّة، حاولت النشرة الاخباريّة لمتقاعدي الهستدروت وصفحات القسيمة لسلاسل الأدوية ومستلزمات النظافة تحليل الأسباب لكوسامانيا وبالاساس المشاركة في الحملات التسويقيّة المرافقة لها.
نحن كنّا مشغولات بالأساس في الطريقة التي ستندمج فيها ملابسنا مع اليقطينات البرتقاليات، حقل القضيب الأحمر والغرف اللانهائية البارقة في الصور التي سنضعها على صفحة الفيسبوك. من السهل ان نخطأ ونعتقد إن الأعمال المعلّقة على حيطان المتحف هي فن كوساما. بل هي النقاط والألوان اللانهائيّة هم خلفيّة الخلق الحقيقيّ – معرض الدراغ الكبير لكوساما – معرض هي فيه، وايضًا نحن، نكشف تعسّف الحدود ونتحدى بذلك التفكير ثنائي التفرّع عن الجندر، الجنسانيّة، العقلانيّة والعرق.
من أنتِ يايوي كوساما؟
الشخصيّة المركزيّة في عرض الدراج الكبير لكوساما هي يايوي كوساما بنفسها. في السنوات الأخيرة صممت كوساما لنفسها شخصيّة مميّزة من ناحية شكل وتصرفات وأيضًا من الناحية التي قامت فيها بعرض أعمالها. في كل المقابلات معها تتصوّر مع الشعر المستعار الأحمر بقصّة كاريه، ملابس في الصّيحة اليابانيّة مع مطبوعات التي تتوافق مع أعمالها، قلم حمرة فاتح اللون، حيث تتكلم فقط في اللغة اليابانيّة.
في مقال يتحدث عن شخصيّة كوساما تتدعي الباحثة سوجين لي ان شخصيّة كوساما هي عمل فنّي بحدّ ذاته وحتى أكثر من ذلك – الشخصيّة التي طوّرتها بعناية هي العمل الفنّي المركزيّ وباقي التجربة الفنيّة، الشخصيّات والأغراض ما هم الّا أمتداد لا نهائي لشخصيتها نفسها. كوساما بالأساس هي فنّانة استعراضيّة لكن على عكس الفنانات الاستعراضيات اللواتي يفردن شخصيّتهن المسرحيّة في نهاية العرض – يهيء لي ان شخصيتها لكوساما تندمج كليًّا إلى داخل فن النقاط غير المقاوم.
بين فضاءين كبيرين في عرض الذي يمتدّ على نص متحف تل أبيب مررنا إلى جانب حائط واحد مليء بصور من الأعمال الأستعراضيّة التي قامت كوساما في خلقها في الحيّز العام في نيويورك في سنوات الستّين. رجال، نساء ويايوي كوساما مع شعر طويل مرتديّة ملابس مخلوطة الجندر أو عارية كليًّا، مزخرفين في النقاط داخل ما يبدو مثل أورجي مثليّة الجنس مثيرة سيرياليّة. إلى جانب ذلك، في زاوية مستبعدة إلى جانب مطفأة الحرائق وضعت واجهة لمجلّات (fanzine) إباحيّة التي أطلقتها كوساما في نفس الفترة. لفت هذا الحائط انتباهنا وليس فقط بسبب الصور التي تصوّرت فيها كوساما تقبّل أثداء دمية عرض ملابس(Mannequin). لقد لفت انتباهنا بسبب انه كان هناك لحظات كشف – ليس فقط من ناحية جسديّة، بل قامت كوساما أمامنا بكشف شخصيتها التي قامت بإعلائها أمامنا على مسرح الدراغ المزخرف التي خلقته لنفسها.
جوارب حمراء
لحظات قبل خروجنا من البيت كنت مترددة ماذا سوف أرتدي وهل أرتداء جوارب حمراء هي خطوة جريئة جدًّا. في النهاية أرتديت قميص منقّط مع أزرار، سترة صوف وربطة عنق حمراء (بابيونة). عندما وصلنا إلى المعرض اكتشفنا أننا لسنا الوحيدات اللواتي لبسنا خصّيصًا من أجل الحدث. مسرح الدراغ المزخرف لكوساما لم يولد فقط من أجل شخصيتها هي لوحدها، بل لشخصياتنا جميعًا. لم تبتلع الخلفيات الملوّنة والمزخرفة الزائرات والزائرين إلى المالانهاية، بل شكلت أيضًا خلفية رائعة الجمال للحظات اللامتناهية من الدراغ والأداء الذي حدث في الفضاء من حولنا: رجال مبتسمين يتصورون وهم محاطين بقضبان طريّة ومنقّطة وطفلات ضاحكات تصورن بين أذرع الأخطبوط الذين انشقوا من أرضيّة المتحف بطريقة فنيّة "باقة حبّ التي رأيتها في الكون".
حسب إدعاء باحثة الجندر المعروفة جوديث باتلر، الدراغ يكشف تعسّف العادات الجندريّة والطريقة التي يصوّر فيها الجندر على أنه فعاليّة تقليد بدون أصول. بما يشابه الشبكات اللا متناهية التي ترسمها كوساما في هوس، عروض الدراغ تشكّل حيّز أدائي لمحاكاة ساخرة من أجل تقويض حدود الجندر والهويّة وإعادة كتابتها من جديد. الدراغ يمكّن من السخرية من الذي يعتقد على أنه نسائي أو رجولي وفي نفس الوقت يمكّن من العروض البحث في هويتهم وتصميمها.
من ناحية، في نظرة خاطفة في صفوف الانتظار الطويلة في فضاء المعرض، أعتقد أن كوساما توفّر لجمهور الوفير مجموعة صور ممتعة بالأساس. مثل لوحات الكرتون الموضوعة في نشاطات جذب مختلفة التي تمكّن كل شخص أن يدخل رأسه في داخل حفرة في لوح الكرتون وأن يتصوّر للحظات كشخص آخر. من ناحية أخرى، البعد الترفيهي لا يمسّ في البعد الأنقلابيّ التخريبيّ – بالضبط مثلما عروض الدراغ لا تتوقف عن قلب العوالم وتقويض الحدود حتى وهي مجسّدة كنشاط جذب ترفيهي لحفلات العزوبيّة وأمسيات التعارف. بالنسبة لي، عرض كوساما كان طقم متكامل. يحتوي ومحترم لموعد غرامي مثير لمثليات حسب مظهري الجندري غير الثنائي. فنّ كوساما توسّع وتوقظ حدود المتحف والتفكير بالتالي تسمح لتواجد لأدائي الجندريّ والجنسيّ في الحيّز العاديّ، الأبيض والمعقّم في متحف تل أبيب. حتى وأن المعرض أقيم حسب التيّار المركزي، لم تظهر الأنحرافيّة في هوامشها، بل في العكس – المعرض كان مُعدّ لأحتفاليّة بالأنحرافات ودعت كل زائريها للمشاركة في هذا الاحتفال. شعرت أنني في ذات الوقت المشاهدة والعرض، وأنه يوجد هناك مكان للسخرية وللبحث في نفس الوقت.
سحر كوساما مكمون بالإضافة للعديد من الأمور في طريقة التي فنّها قابل للتخصيص – عندما كنّا نتصوّر عند خلفيّة اليقطين – المنصّة المسرحيّة التي خلقتها تحوّلت للحظات إلى منصّتنا – الحدود التي نجحت في طمسها بإعجوبة – تقوّض حدودنا الأجتماعيّة الثقافيّة. دعتنا كوساما للعب في غرف ألعابها والسماح للمرايا المضاعفة أن تحوّل وجوهنا إلى الشخصيّة المركزيّة في العرض.
أفيجال ارنكرنش
34 عامًا. فنانّة متعددة المجالات، كاتبة وصانعة. أكاديميّة كويريّة - مثليّة وأم لثلاثة بنات.بنين.
ناشطة نسويّة ومن مقيمات "بيدأرت" للفنون النسويّة. تعمل في الجندر، العلاقات، العنف في العائلة، عاملات غريبات، الهجرة والأمهات.
Comments